تفكرت في أمر الدنيا وملذاتها ونعمها ، وتفاوت الناس في تحصيلهم لها وإقبالهم عليها ، فوجدت أن أكثر الناس شوقا لها هم المحرومون منها ،فإذا جاءتهم النعمة
بعد طول حرمان كانوا أكثر الناس فرحا بها وأكثرهم شكرا لله عليها فكان ذلك الحرمان الأول نعمة من الله عليهم ، وذلك من وجهين:

أولاهما في الدنيا

:وهو أنه شعر بلذة تلك النعمة وحلاوتها .
والثاني في الآخرة

:وهو أنه أدرك نعمة الله عليه أن وهب له تلك النعمة بعد الحرمان فدفعه ذلك لشكر نعمة الله عليه فشكر الله عز وجل له وأثابه من فضله.

وذلك الأمر مشاهد في حياتنا

:فإنك ترى الفقير الذي يأكل ما رخص من الطعام تجده ينظر إلى ما غلا منهويشتاق إليه شوقا كبيرا ،فإذا حصّله مرة أو مرتين في العام كان في غاية الفرح واستمع به غاية الاستمتاع وشكر الله على إنعامه وفضله

.
وعلى الوجه الآخر

:تجد الغني الذي تحصل على كل الملذات وتلك المأكولات لا يكاد يخلو منهابيته تجده يأنف عن أكلها وإذا أكلها لا يتلذذ بها بل تجده أكثر شوقا إلى أكلات الفقراء ذلك أنه في حكم المحروم منها ...وقِس على ذلك.

لذلك قيل " الممنوع مرغوب"

ولعلفي ذلك ما يتعزى به الفقير المحروم ،فإنه إذا علم أنه لا يتلذذ بتلك النعم -التي لا يتحصّلها إلا نادرا - إلا لأنه حُرِم منها ، وأنه لو أُعطَاها وفُتِح له فيها ما أحس بتلك

اللذة ولا بذلك الاستمتاع حين يتحصلها كان ذلك عزاءا له عن حاله وتذكيرا له بنعمة الله عليه .

نسأل الله عز وجل أن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير وأن يجعل الموت راحة لنا من كل شر

اللهم آميين
والحمد لله رب العالمين