انشاء منتدى مجاني

تاريخ الميلاد : 15/06/1995

" مدينة
الحماس".. حكاية الأسد النائم وصاحبة الرد السريع (صور شهداء)

الضفة الغربية – فلسطين الآن- خاص – تتلألأ في الضفة الغربية نجوم كثيرة
أنارت طريق المقاومة والتحرير بعيدا عن مصالح شخصية أو فئوية ، وفيما كانت
إستراتجية المقاومة تعتمد على إيجاد مناطق تكون ينابيع للمقاومة وتوجيه
الضربات للاحتلال ، كانت أخرى ملاذا للمقاومين المطاردين وبناء لخلايا
جديدة تنتظر العمل في حال تمكن الاحتلال من القضاء مؤقتا على الخلايا
الأخرى .

وفي أقصى جنوب الضفة الغربية حيث خليل الرحمن أو ما اصطلح أن يطلق عليها
بجدارة " مدينة الحماس " ، والتي لعبت دورا هاما وبارزا في تاريخ حركة حماس
منذ انطلاقتها وحتى اليوم وهي تحيي ذكراها الثانية والعشرين لتعطي تلك
المحافظة حقها كما هي باقي نجوم الضفة من بيت لحم وحتى جنين ، فضفة القسام
ليست مجرد خلية أو مكتب حركي أو قائد معتقل في سجون الاحتلال أو سجون سلطة
فتح أو شهيد ارتقى .

ولعل المدينة التي تعد من أكبر مدن الضفة إذ يزيد عدد سكانها عن نصف مليون
نسمة كانت دائما الحضن الدافئ لقادة حركة حماس ومقاوميها منذ انطلاق حماس
المجيدة ، فكانت فيها أولى خلايا القسام التي بدأت بالعمل في الضفة الغربية
وأقلقت الاحتلال الذي وقف عاجزا أمام من يوصف فيها القسام بأنه " الأسد
النائم " الذي إن قرر الاستيقاظ انقلب المشهد إلى مشاهد عزة وفخار وحماس .

تاريخ سياسي مشرف

ويؤكد قادة وأسرى محررون وآخرون مازالوا في الأسر أن المحافظة تتميز أنها
كانت دوما في إستراتجية الحركة الدرع الجنوبي الذي يبقى في حالة هدوء عميقة
حتى يأتي دورها كما كان ذلك في كثير من مراحل تلقت فيها حماس ضربات قوية
سواء من الاحتلال أو سلطة فتح خلال عمر حماس الذي يعتبر قصيرا مقارنة
بسجلها البطولي والجهادي والسياسي .

ولعبت المحافظة دورا هاما من خلال قادة كثر من الحركة تم اعتقالهم وإبعادهم
إلى مرج الزهور أبرزهم الدكتور عزيز الدويك والذي يشغل منصب رئيس المجلس
التشريعي حاليا وغالبية نواب الحركة عن المحافظة أيضا ، بالإضافة لأخرين
ارتقوا في اغتيالات من قبل الاحتلال أمثال الشهيد القسامي القائد عبد الله
القواسمي ، وكذلك أسرى أمثال النائب محمد جمال النتشة وعضو الهيئة القيادية
لحركة حماس الشيخ عبد الخالق النتشة وآخرين .

ويقدر أحد مبعدي مرج الزهور في حديث أن قوات الاحتلال أبعدت من المحافظة
آنذاك حوالي ثمانين من قادة الحركة على مستوى المحافظة تم إبعادهم من ضمن
416 قياديا من حركة حماس والجهاد الإسلام إلى منطقة جنوب لبنان ، وكانت
نسبة المبعدين من المحافظة حوالي 34% .

ورافق تلك المرحلة ازدياد نشاط خلايا القسام البدائية في المحافظة ففي شهر
(8/1990) انتقل الشهيد عماد عقل إلى مدينة الخليل ليبني جهازا عسكريا في
الضفة الغربية ، وفي شهر (5/1992) عاد مرة أخرى إلى الضفة الغربية حيث شكل
الخلايا القسامية الأولى في منطقة الخليل ونابلس .

انطلاقة القسام الأولى

ويسرد نوح قفيشة في مقابلة صحفية بدايات أولى خلايا القسام التي انضم إليها
واعتقل لاحقا من قبل قوات الاحتلال وأمضى خمسة عشر عاماً ، حيث يقول :"
كنا ندرس في جامعة القدس كلية الدعوة وأصول الدين في قسم الشريعة، وكنا
نسمع عن الانتفاضة التي بدأت في غزة، ثم انتشرت في الضفة الغربية، وكنا
نسمع عن حركة حماس، وقد بادرت الحركة لتشكيل خلايا عسكرية في مدن الضفة من
أجل تفعيل نشاطات الانتفاضة، وتمَّ تشكيل أول خلية عسكرية تابعة لحركة حماس
أطلق عليها اسم شهداء البراق تيمنًا بثورة البراق عام 1929م والتي استشهد
فيها عشرات الفلسطينيين بعد أن استولى اليهود على حائط البراق " .

ويقول قفيشة : "أسند إلى هذه المجموعة القيام بالعديد من الفعاليات منها
توزيع بيانات وإلقاء حجارة وإلقاء قنابل (الأكواع) وكتابة شعارات وغيرها،
وكان مسئول الخلية في البداية الشهيد حاتم ياقين المحتسب والذي تتلمذ على
أيدي الشهيد المجاهد عماد عقل، وعن طريقه دخلت مجموعات القسام إلى الخليل،
وفي بداية الانتفاضة تمَّ اعتقال حاتم المحتسب قبل استشهاده ومكث عدة شهور
في سجون الاحتلال".

وقد تمَّ اعتقال المجموعة بناءً على معلومات جمعت من قبل المخابرات
الصهيونية، وحكم معظم أفرادها بالسجن مدة تتراوح ما بين 5 إلى 15 عامًا؛
حيث كانت أعلى مدة حكم من نصيبي أنا، أما قائد المجموعة حاتم المحتسب فقد
استشهد في مواجهة مسلحة في منطقة عيصي مع الشهيد يعقوب مطاوع في عام 1991م
بعد اعتقال أفراد المجموعة؛ حيث أقسم أن لا يدخل سجون الاحتلال.

وتابع يسرد ما تتحف به ذاكرة تشهد على تاريخ انطلاقة الحركة : " العمل
العسكري دخل تحت اسم كتائب الشهيد عبد الله عزام في البداية، وتم تحويل
الاسم إلى مجموعة شهداء البراق، وكذلك مجموعة الأهوال بقيادة جهاد غلمة،
ومن ثمَّ أصبحت تُسمى بكتائب القسام".

وسجل خليل الرحمن البطولي يزخر بأسماء عملاقة من القسام كانوا نواة لبذرة
المقاومة التي أنبتت أشجار قوية صلبة لم تهزها ضربات الاحتلال ولا أذنابه ،
فقدمت المحافظة خيرة أبنائها شهداء أمثال محمد المحتسب وجهاد غلمة ويعقوب
مطاوع ومحمد عزيز رشدي وحامد يغمور وطاهر قفيشة وعادل الفلاح وأمجد شبانة
وغيرهم الكثيرين من نواة الجهاد والمقاومة .

ومع مرور السنوات كانت حماس كما هي الخليل كلمات لا تتفارقان ، فلم تتأخر
كتائب القسام في الانتقام لشهداء خليل الرحمن في مجزرة الحرم الإبراهيمي
فكانت سلسلة عمليات القسام النوعية التي جاءت لتشفي غليل أهالي المحافظة
الذين فقدوا خمسين من أبنائهم بفعل مستوطن صهيوني حاقد مع تواطئ من قبل
جنود الاحتلال ، فكانت مقدمة لمزيد من التلاحم المصيري بين الحركة
والمحافظة .

صمود أمام ظلم القريب

وتواصلت خليل الحماس تترعرع بفكر المقاومة وتأخذ دورا أكبر في الحركة من
خلال خلاياها المسلحة والعمل الجماهيري ، حتى توقيع اتفاقية الخليل عام
(1996) بين الاحتلال وسلطة فتح التي حولت المدينة إلى نصفين ما جعلها جحيما
بفعل تنازلات حركة فتح ومفاوضيها .

ولم تمضي أيام كثيرة حتى شنت سلطة فتح أوسلو حملة اعتقالات اعتبرت الأوسع
في صفوف حماس بالضفة وغزة في 25 شباط (فبراير) 1996، واستمرت قرابة ستة
أشهر دون توقف، ففي 25 شباط (فبراير) 1996 شن عساكر السلطة حملة اعتقالات
في مناطق مختلفة من مناطق الحكم الذاتي في الضفة الغربية طالت نحو 40
فلسطينياً، وفي اليوم التالي واصل عساكر السلطة حملاتهم حيث اعتقلوا 187
مواطناً آخر .

وفي 13 نيسان (أبريل) 1996 أي بعد مرور أقل من شهرين على بدء الحملة أعلن
مسؤولون في سلطة فتح أن عدد المعتقلين للاشتباه بعلاقتهم بقوى المعارضة بلغ
900 معتقل، أي أن معدل الاعتقال بلغ 18 معتقلا في اليوم الواحد .

وتتوالي اعتقالات المئات من أبناء حركة حماس بالخليل ممن هم اليوم إما
شهداء قضوا نحبهم بعد أن لم تتمكن ظلمات أبناء جدلتهم من حرف مسارهم عن
طريقهم نحو القدس ، وإما نواب كان قدرهم الاعتقالات المتواصلة حتى كان ما
كان حينما حققوا الفوز الساحق في الانتخابات التشريعية ، أو من عاد به
الزمن لظلم سلطة فتح ومازال يقبع في تلك الزنازين التي دمرت سابقا لكن عقل
التنسيق الأمني لم يدمر .

وتلقت الحركة في الخليل ضربة من قبل سلطة أوسلو تمثلت بقيامها باعتقال خلية
صوريف التي وجهت للاحتلال ضربات لم ولن ينساها ، ثم قامت تلك الأجهزة
بتسليم الخلية في مسرحية للاحتلال كان أبرز المتورطين فيها جبريل رجوب وهو
اليوم عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح .

[center]الأسد النائم ومدينة
الرد السريع

ومع انطلاقة انتفاضة الأقصى عادت حركة حماس وبصمت منقطع النظير لتبدأ
بتنظيم خلايا القسام من جديد ، وفيما كانت غالبية محافظات الضفة زاخرة
بعمليات للمقاومة وعلى رأسها كتائب القسام بقي أسد الخليل في حالة كأنها
نوم لكن الأسد كان يجهز نفسه لموعد الزئير الأكبر .

وفيما كانت عمليات لم تعلن عنها ينفذها مجاهدو القسام بالخليل وتتبناها فصل
أخرى ممن تلهث خلف العفو الصهيوني ، حتى جاء الاجتياح الصهيوني لمدن الضفة
الغربية (السور الواقي) وملاحقة وتدمير قوى المقاومة ومطاردتها كان قسام
الخليل متربصا بلحظة الانقضاض المناسبة .

فكانت أولى بشائر نهضة القسام من خليل الرحمن بسلسلة عمليات أعطت الإشارة
ليبدأ جيش القسام بالخروج بعدما ظن الاحتلال أنه قضى على المقاومة في الضفة
، فجاءت مدينة الرد السريع والضربات الموجعة لتأخذ بثأر القادة والشهداء
على طريقتها الخاصة في منظومة استمرت لعدة أعوام ومازالت بصماتها حتى اليوم
.

فكانت بقيادة القائد القسامي الشهيد عبد الله القواسمي والقائد الشهيد أحمد
بدر مرورا بباسل القواسمة والشهيد القائد أكرم الأطرش والشهيد القائد عبد
المجيد دودين والشهيد القائد شهاب النتشة وعلى دربهم مازال العشرات من
الأسرى الذي لم يكتب له شرف الشهادة فكان نصيبهم شرف الأسر أمثال القائد
القسامي عماد القواسمي وعرفات النتشة والأسير القائد موسى دودين والأسير
القائد مجدي عمرو والأسير القائد معاذ أبو شرخ وأبطال خلية صوريف القسام
.. .

وحتى الانتخابات التشريعية حيث حققت الحركة نصرها الأكبر في محافظة الخليل
التي حازت على كل مقاعدها عن قائمة الدوائر مقابل عدم حصول أي مرشح من أي
حزب أخر على أي مقعد ما وثق فيها لقب استحقته بأنها مدينة الحماس ورائدة
العمل الإسلامي .

وبعد أعوام قليلة انقلبت فيها حركة فتح وسلطتها حتى بدأت تبحث عن خلايا
القسام التي لم تكل ولم تمل في توجيه ضربات موجعة للاحتلال مثل عمليات
ديمونا وبئر السبع وسلسلة مهاجمة المغتصبين على الطرق الالتفافية ، حتى كان
أخر ما تمكنت منه تلك السلطة من اعتقال خلية القسام في الخليل التي كانت
مطاردة من قبل الاحتلال منذ أربعة شهرا في سجن أريحا .

وبذلك كانت ومازالت مدينة الحماس وإن زادت جراحها والظلم الواقع عليها من
القريب والاحتلال سواء ، لكن في كل يوم يزيد اليقين بأنها ستبقى على عهدها
مع قرينتها حماس فتاريخ اثنين وعشرين عاما لن يمر دون أن تعيش الخليل ولو
في القلوب ذكرى من احتضنتها في أوديتها وجبالها